أيها الأصدقاء!
يتضمن جدول الأعمال كذلك موضوع استراتيجية تطوير الفكر الإسلامي، وعمل المنظمات الإسلامية الدينية في روسيا حتى عام 2030م.
لقد طرحت فكرة حول ضرورة اعتماد مثل هذه الوثيقة في مدينة محج قلعة عاصمة جمهورية داغستان، في 15 نوفمبر 2017م في المؤتمر الديني العلمي – التطبيقي الدولي تحت عنوان - "إحياء التراث الديني التقليدي للمسلمين الروس: مشكلة الحفاظ على الهوية الإسلامية في ظروف العولمة العالمية".
وأكرر القول أنَّ الاستراتيجية وفق فهمنا تكمن في - الرؤية النظرية والمفاهيمية لرسالة
الإسلام وأهداف، ومهام وأولويات تطورنا وآليات تنفيذها.
ولابد من القول أنَّه يجب على المسلمين الروس ومع كل ابناء البلاد الآخرين أن يتذكروا ماضيهم وتقاليدهم وأن تكون لديهم رؤية للآفاق الاستراتيجية لعملية تطورهم.
وبصياغة واعتماد مثل هذه الوثيقة، تقوم الجمعية الدينية لمسلمي روسيا بخلق الضمانات لتنفيذ حقوق المسلمين والاستجابة لتطلعاتهم وآمالهم في تعزيز التضامن الإسلامي، والتنمية المستدامة على المدى الطويل لأمتنا، وهذا يدل على اهتمامنا بتعزيز الانسجام والتماسك في روسيا ومستقبلها.
ويثير قلقنا جميعا قضايا تطور الإسلام التقليدي، وضمان استقرار وثبات أسسه الشرعية وقوانينه، وفي الوقت نفسه ضمان التكيف المرن للإسلام مع الواقع الاجتماعي الحديث، وتحقيق وتطبيق الامكانيات الغنية للإسلام كدين سلام ومحبة وعطف وعدالة في ظروف الأزمة الروحية والأخلاقية الحضارية.
واليوم أود أن أبلغكم عن النتائج الأولى لعملنا بشأن صياغة الاستراتيجية والتشاور معكم بشأن آفاق ومستقبل هذا العمل، فقد تم وضع ركائز هذا العمل على أساس قواعد إيماننا الرئيسية، وإيديولوجيا الإسلام التقليدي كأساس للحضارة الإسلامية، وكذلك القيم الأساسية لثقافتنا وطريقة وأسلوب حياتنا. فيجب أن يتطور مفهوم الإسلام كدين العدل والسلام والخير والمحبة بين الناس. وفي عملية صياغة الإستراتيجية، سنلتزم بمبدأنا التقليدي للتشاور(الشورى)، الذي يتطلب الأخذ بآراء المسلمين والمنظمات الدينية جميعا.
اسمحوا لي أن أذكركم بأنَّ هذا يعد إحدى المبادئ الأساسية لجمعيتنا الدينية لمسلمي روسيا ولهيئة الرئاسة فيها.
ومن خلال جهود فريق العمل تم تحضير مشروع مخطط الاستراتيجية، وفيه تم عكس بنية ونظام الوثيقة المستقبلية وتحديد القضايا الرئيسية التي تتطلب المزيد من الكشف والتوضيح وكذلك تحديد بدقة أكثر المسار التالي للعمل.
بشكل عام، يتكون مشروع الوثيقة من سبعة أقساموهي: "أحكام عامة"، و"أهداف ومهمات الاستراتيجية"، و"التوجهات الأولوية الاستراتيجية لتطوير الإسلام والمنظمات الدينية الإسلامية في روسيا"، و"مراحل تنفيذ الاستراتيجية"، و"آلية تنفيذ الاستراتيجية"، و"النتائج المتوقعة " و" أحكام ختامية ".
ويقدم القسم الأول وصفا موجزا للوضع الإسلامي في العالم وفي روسيا، ويبرر ضرورة اعتماد الاستراتيجية. وفي القسم الثاني، يجب أن يتم بدقة ووضوح وضع وصياغة الأهداف والمهمات الخاصة بتطورنا. ويحتل القسم الثالث مكانًا مهمًا في مشروع الاستراتيجية، وفيه سيتم طرح وتحديد التوجهات الاستراتيجية الأولوية لتطوير الفكر الإسلامي والمنظمات الإسلامية الدينية في روسيا الحديثة على المدى الطويل.
ومن المهم جداً هنا أن نعلن بوضوح وبشكل لا لبس فيه أنَّ أسس عقيدة إسلامنا التقليدي لا تتزعزع، وهي أبدية ولا تخضع لأي تحديث أو إعادة نظر. ويجب علينا في هذا المجال أن نكون يقظين ونتحلى بروح المسؤولية، لأنَّنا نشاهد أمام أعيننا مثال ترسخ الحضارة الغربية المناهضة للطابع المسيحي والتراجع العام والشامل عن المعتقدات الدينية المتمثل في الاتجاه النيوليبرالي الحديث في الغرب وترسخ تقاليد ما بعد الحداثة هناك. نحن نرى أن الغرب قام عمليا بفصل نفسه عن الروحانية الدينية التقليدية، ونرى وجود محاولات حثيثة لإبعادنا عن الروحانية التقليدية الخاصة بنا كمسلمين ومسيحيين أرثوذكس في روسيا وفي العالم بأسره.
لقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته في أوفا: "إن الإسلام هو عنصر بارز في القانون الثقافي الروسي، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا".
ونحن من جانبنا سنسير مع روسيا بأكملها على طريق خدمة المسلمين والشعب من خلال تطوير أسسنا الروحية والأخلاقية الثقافية والدينية، القائمة على التقاليد والاحترام والمحافظة على الذاكرة التاريخية والوطنية. هذا هو مصدر قوتنا ويشكل الافق اللازم لتطورنا اللاحق. يجب علينا بالقول والفعل ان نقوم بتكوين وتشكيل الصورة الإيجابية للإسلام والمسلمين ورجال الدين في القرية والمدينة والبلاد كلها وفي العالم بأسره .
يجب أن نقنع الآخرين بأنَّ الإسلام التقليدي ليس مرادفاً لظاهرة متحجرة وقديمة ومتخلفة وبدائية وليس مرادفاً للتطرف والإرهاب.
بهذا الشكل تحاول إظهاره بعض القوى الشريرة التي تستخدم الإسلام كغطاء لتبرير أهدافها التجارية والسياسية والإجرامية، ورفع مستوى الخوف من الإسلام في بلادنا وفي العالم.
وينبغي أن يعكس مشروع الاستراتيجية، فهمنا المشترك للإسلام التقليدي الوارد في تعريف فتوى غروزني. نحن نذكر أنه وفقا لنصها يتم تقييم التقاليد لثلاثة معايير:
- الإيمان
- الإسلام (الطاعة والعبادة)
-الاحسان (الفضيلة وعمل المعروف).
وفضلا عن ذلك، فعند إعداد مشروع الاستراتيجية، يجب علينا أن لا ننسى أن الإسلام التقليدي هو تجسيد لكل الخير والعمل الصالح في قرون كثيرة للتراث الإسلامي في روسيا، وفي مناطق شمال القوقاز ومنطقة حوض الفولغا وسيبيريا ومناطق أخرى. وعلى مدى عدة قرون، قام الإسلام التقليدي بالتأثير والاتصال الوثيق مع العديد من جوانب حياة الناس، وتم خلال ذلك تثبيت تجربة الحياة والخدمةالاجتماعية لديننا الإسلام في روسيا.
ولدينا كل الأسباب للاعتقاد بأنَّ الإسلام التقليدي هو ظاهرة تاريخية ومعاصرة على حد سواء، وهو يعد صورة للتقاليد الديناميكية الحية، ومتوافق تماما مع الواقع الروسي ويحتل مكانة هامة في العالم الحديث.
ويجب أن تتم في مشروع الاستراتيجية صياغة التوجهات الأولوية لتطور المنظمات الإسلامية الدينية.
نحن نهتم بمزيد من التعاون مع سلطات الدولة بشأن تحسين التشريعات الفيدرالية المتعلقة بحرية الضمير والمنظمات الدينية وذلك في بعض النقاط والمجالات.
وتتطلب الاهتمام كذلك مسائل تحسين الأسس المؤسساتية لتطور الإسلام، وتحسين التفاعل والتعاون بين المنظمات الدينية في شمال القوقاز وموسكو ومنطقة الفولغا-الأورال وسيبيريا ومناطق أخرى من بلادنا.
ولا شك في إن فكرة الخدمة الاجتماعية للإسلام تجد تعبيرها وتجسيدها في عمليات التنشئة الاجتماعية الحديثة للإسلام وهذا الاتجاه يمثل أولوية في أنشطة المنظمات الإسلامية الدينية. ويتوافق موقفنا هذا مع كلام الرئيس الروسي ف. بوتين حول أن "التنشئة الاجتماعية الجديدة للإسلام يجب أن ينظر إليها من طرف تطوير لأسلوب حياة المسلمين التقليدي ولتفكيرهم ووجهات نظرهم وفقا للواقع الاجتماعي الحديث، على عكس أيديولوجية المتطرفين الذين يدفعون المسلمين إلى العصور الوسطى".
ويجب أن تؤكد الإستراتيجية أنَّ الأولويات بالنسبة لنا هي تطوير نظام التعليم الإسلامي المستمر وتدريب الكوادر من المؤهلين تأهيلاً عالياً. ومن الضرورة تحسين أعمال النشر، وإعداد المجموعة من المترجمين. ومن المهم ضمان وجود تقدير واحترام كبير لرجال الدين المسلمين المحليين. وهناك حاجة ملحة لإعادة تقاليد مدرسة اللاهوت الإسلامية الروسية وتعزيز روابطها الدولية.
وتتطلب جهودنا المشتركة تطوير صورة إيجابية للإسلام التقليدي كونه عنصرا روحيا مهما في الهوية الروسية كلها وفي تنظيم مكافحة أيديولوجيات التطرف والإرهاب.
وتعطى الأولوية للأنشطة التعليمية الإسلامية بكل تنوعها. ومن الضرورة تطوير اعمال المراكز الثقافية الإسلامية والمراكز العلمية – التربوية الإسلامية، ونوادي الشباب والنساء، والمنظمات التطوعية الإسلامية ، وهذا يجب أن ينعكس في مسودة الاستراتيجية.
ويجب علينا أن نفكر ونقرر كيف نرفع نشاط المساجد والأئمة إلى المستوى المطلوب، وكيفية تحقيق فكرة ومشروع: المسجد والإمام والجمعية - ومركز الأنشطة الدينية والثقافية والتعليمية.
ولطالما كانت أولوية بالنسبة لنا، مهمة العمل مع الشباب في مجال التربية الروحية والأخلاقية والتنشئة الاجتماعية الكاملة حتى لا يتحول المسلمون إلى جمهور مستهدف للمتطرفين والإرهابيين، فحصوله على تربية وتعليم متميزين سيكون في عمله ووطنيته ضمان مستقبل روسيا. ويجب أن نكون متوحدين في حل مجموعة كاملة من المشاكل القائمة في هذا المجال.
ومن الضرورة تحسين أشكال وأساليب عملنا في مجال تنفيذ سياسة الهجرة، ومساعدة إخواننا المسلمين الذين يأتون للعمل والمعيشة في بلدنا ولاسيَّما في مجال التكيف الاجتماعي، وفي منع انتشار التطرف بينهم.
والإسلام هو أساس الحضارة الإسلامية وأساس هويتنا. وينبغي أن يعكس مشروع الاستراتيجية أنشطة المنظمات الدينية في مشاركتها في تنمية الثقافة والفن الإسلامي، وقيم الأسرة الإسلامية.
والواجب على المؤسسات والمنظمات الدينية الإسلامية في الظروف الحديثة العمل على استثمار جميع الفرص لعرض موضوعاتها ومواقفها في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، والعمل على إنشاء وسائل الإعلام الخاصة بها. وضرورة مشاركة المنظمات الدينية الإسلامية في تنمية وتطوير الاقتصاد والشؤون المصرفية الإسلامية، وتطوير قطاع إنتاج سلع وخدمات الحلال.
وهناك اتجاه مهم لنشاطنا هو الحوار والتعاون مع الطوائف والديانات التقليدية الروسية ومع شركائنا الأجانب.
ويركز مشروع الاستراتيجية على موضوع التنفيذ بشكل تدريجي(المرحلة الأولى التمهيدية، حتى عام 2020م، والمرحلة الثانية هي المرحلة الرئيسية، وتستمر حتى عام 2030م) والمشاركة في تنفيذه من قبل جميع المنظمات الدينية الإسلامية والمسلمين، وجميع المؤسسات المعنية للمجتمع المدني مع التعاون والتفاعل الفعال مع سلطات الدولة والسلطات البلدية والمحلية. وفي المجالات الرئيسية للنشاط الإسلامي تتضمن المرحلة الأولى إعداد مشاريع رئيسية كبرى وتنفيذها المستهدف التالي لاحقاً خلال الفترة المتبقية من الخطة والمستقبل.
السادة المشاركين والضيوف المحترمين الحاضرين لجلسة هيئة رئاسة الجمعية الدينية لمسلمي روسيا!
أيها الأصدقاء الأعزاء!
من الصعب طبعا في إطار خطاب موجز، التطرق لجميع الأسئلة والقضايا في صياغة الاستراتيجية المذكورة. ونحن في انتظار اقتراحاتكم وتوصياتكم بشأن محتويات الاستراتيجية ونرجو ارسالها إلى الجمعية الدينية لمسلمي روسيا. وأنا متأكد من أنَّ النجاح سيكون حليفنا وسننفذ ما فكرنا به. نحن نتطلع الى تقوية إيماننا وتضامننا وخدمتنا للمجتمع وهي ستحدد استراتيجية تطورنا.
شكرا لاهتمامكم!