في 21 سبتمبر/ أيلول، شارك رئيس الجمعية الروحية لمسلمي روسيا، مفتي موسكو، وعضو الغرفة العامة للاتحاد الروسي ألبير حضرة كرغانوف، كجزء من الوفد الروسي المشترك بين الأديان، في مؤتمر السلام الدولي بين الأديان في عاصمة اليابان. يعقد المنتدى كجزء من سلسلة من الأحداث الدولية التي تم تنظيمها بمبادرة من المؤتمر العالمي "الدين من أجل السلام". وهي أكبر منظمة دولية مشتركة بين الأديان ولديها سنوات عديدة من الخبرة، والغرض منها هو الترويج لأفكار السلام. وتقع المكاتب الإقليمية للمنظمة في أكثر من 90 فرعا على المستوى الوطني في أوروبا وآسيا. ويتألف المؤتمر أيضا من عدد من التحالفات الشبابية بين الأديان التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأديان بين مختلف الطوائف الدينية لإرساء السلام والرفاه العالمي على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية
ويحضر المؤتمر، الذي سيعقد في طوكيو على مدى أربعة أيام، زعماء دينيون وسياسيون وخبراء وممثلون عن المجتمع المدني من مختلف البلدان. الغرض من المنتدى هو وضع مقترحات لمنع النزاعات في العالم، ومناقشة دور القادة الروحيين في إطار الجهود المشتركة لتسريع وقف العنف، وتعزيز المصالحة واستعادة السلام في البلدان المتضررة من الحرب.
وأشار رئيس الجمعية الدينية لمسلمي روسيا في خطابه
بسم الله الرحمن الرحيم!
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سيادة الرئيس، أعزائي المشاركين، الإخوة والأخوات!
باسمي الخاص وباسم الجمعية الدينية لمسلمي روسيا وزملائي أعضاء الغرفة العامة للاتحاد الروسي،
أحييكم تحية الإسلام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كل شيء اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الخاص لمنظمي هذا المؤتمر على دعوتهم الكريمة وإتاحة الفرصة لي للتحدث من هذا المنبر والمشاركة في فعالياته.
يعتبر اليابان بلد الثقافة الفريدة والتقاليد القديمة. وإنه لشرف عظيم لي أن أذكركم أنه في العام1930 انتقل ابناء ملة تتار واخوتي في الاسلام إلى أراضي اليابان وقاموا ببناء أول مسجد من الخشب في وسط طوكيو.
حيث اشترى تميمدار مخيت وزوجته سليمة، مع مواطنيه، أرضا لبناء مسجد، وبسبب عدم وجود منظمة رسمية في ذاك الوقت، تم تسجيلها في السفارة التركية. كانوا هنا كلاجئين في ذلك الوقت ولم يحصلوا على الجنسية إلا في عام 1974. وأصبح آن ذاك قاضي عبد الرشيد إبراهيموف، الشهير في روسيا الإمام والمسلم الرئيسي في اليابان. وهو توفو ودفنوا على أرضكم، وانه لمن دواعي الشرف أن أقوم بزيارة هذا المسجد وزيارة قبورهم لقراءة الفاتحة.
في هذا العام يحتفل مسلمي بلدنا بالذكرى 1100 لاعتماد الإسلام من قبل شعوب بلغار الفولغا. فوفقا لمرسوم رئيس الدولة فلاديمير بوتين، لنحتفل به على المستوى .
يعيش في روسيا أكثر من 20 مليون مسلم، وهناك ثمانية آلاف مسجد، وحوالي عشرين جامعة إسلامية، اضافة الى الأكاديمية الإسلامية البلغارية. ويساعد صندوق دعم العلوم والثقافة والتربية الإسلامية المنظمات الإسلامية على تنفيذ مشاريعها الاجتماعية والتعليمية.
كما يدعم المسلمون في روسيا التعايش المشترك القائم منذ قرون على التعاون والحوار بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، اليهودية والبوذية، وتوجد لدي هذه الديانات وجهات نظر مشتركة لفهم القضايا المعاصرة لأسس التدين والقيم الانسانية والمشاكل الاجتماعية والحكومية الكبرى.
أعزائي المشاركين!
لقد اجتمعنا على هذه الطاولة المشتركة في وقت خاص، حيث يشهد العالم بأسره تغيرات هائلة في الأنظمة العلاقات بأكمله. عالم أحادية القطبية يتحول بسرعة إلى عالم متعددة الأقطاب.
ومن الواضح للجميع أن العالم سيكون مختلفًا.
فالهيكل القانوني يتغير، والنظام الاقتصادي أصبح رقميا بشكل متزايد. بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تحل الروبوتات محل الناس بشكل متزايد. في الوقت نفسه، وعلى خلفية الخوف من فقدان مركزهم الريادي، يقوم بعض اللاعبين في السياسة الخارجية بإثارة الصراعات بين الأديان والأعراق بشكل مصطنع.
من وجهة نظر الوعي الديني، هذا أمر يمكن التنبؤ به، لأنه، باستثناء الله سبحانه وتعالى، كل شيء في العالم يتغير. لقد خلق الله تعالى الإنسانية متنوعة، وفي التنوع رحمته. كما أمرنا، وفقا للضمير والعقل، بالتوصل إلى اتفاق.
اذ يقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (سورة البقرة، الآية 251).
أصدقائي الأعزاء!
لقد خلق الإنسان ضعيفا. ليس فقط جسديا، ولكن روحيا أيضا. وهذا يعني أن هناك بعض "العيوب"، مع الفضائل، جنبًا إلى جنب تصاحبنا طول العمر. هذا لا يعني أننا سيئون أو أننا "ملعونون منذ الولادة" لا. ان هذا مجرد ظروف الحياة يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وعلى الرغم من ذلك لا يزال بإمكان الشخص تحقيق اللقب العالي " فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (سورة البقرة، الآية 30).
ومع ذلك، فمن بين نقاط الضعف و بعض "العيوب"، هناك تلك التي هي أبغض للخالق. لدرجة أن سبحانه وتعالى يحرم أصحابها من حبه. فما هي هذه الصفات؟ دعونا ننتقل إلى القرآن الكريم للحصول على إجابة.
التكبر. في سورة "النحل" يقول سبحانه وتعالى: "إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ" (الآية 23). كما يقول القرآن الكريم: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"(سورة" لقمان "، الآية 18).
فالتكبر وفقا لأحد الأحاديث (من عبد الله بن مسعود) " الكبر بطر الحق وغمط الناس ".
اذ يكمن جوهر التكبر في تمجيد الذات على الآخرين، وهو إنكار أو تجاهل الحقائق والحجج، واستبعاد جزء من الواقع مع تضخيم أهمية الآخر. السؤال هو، كيف تتصرف بعض الدول والشركات تجاه شعوب العالم الثالث التي اخترعولها هذه التسمية؟
خروج وراء حدود مسموح.
كل شيء له مقياس وحدود. ويحظر سبحانه وتعالى انتهاك هذه الحدود، متجاوزا ما هو مسموح به ومعقول، لكنه لا يمنع استخدام الفوائد والأفراح التي من بها الله عليه.
يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " (سورة المائدة، الآية 87).
والسؤال هل عقوبات ضد حكومات بعض البلدان، و على شعوبها التي تعاني من هذه العقوبات، فهل هذه مسموح قي دين الله؟
الغدر والخيانة.
يولي الإسلام أهمية كبيرة للعقود كفرصة لتنظيم العلاقات (التجارية، الشخصية والحكومية). ويحذرنا الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا"، حتى لا يهمل الناس التزاماتهم، ولا يخذلوا الآخرين، ولا يدمروا أسس العلاقات الموثوقة.
هؤلاء الناس هم من بين" غير المحبوبين "من الله:" وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ" (سورة الأنفال، الآية 58).
كما قال ابن كثير: "إن الله لا يحب الخائنين! – حتى لو كانت الخيانة ضد الكفار، لأن الله لا يحب ذلك أيضا. والسؤال هو، هل الانتهاك المستمر للاتفاقيات على المستويات الدولية لا يعد انتهاكا لحقوق الانسان؟ ما الذي سيؤدي إليه الانتهاك المنهجي للاتفاقيات السابقة والمعايير المزدوجة لتطبيقها في العالم؟
انتشار الفساد.
يقول الله سبحانه وتعالى: "وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (سورة المائدة، آية 64).
كما في آية أخرى: "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (سورة القصص، الآية 77).
وكما يقول المفسرون: "إن انتشار الفساد في الأرض يمكن أن يتجلى في شكل تعدد الآلهة وارتكاب الذنوب، بينما تشمل الذنوب كل شيء ممنوع - قتل الناس وترهيبهم والاستيلاء على ممتلكاتهم واستعبادهم واستعمارهم وإذلال كرامتهم وإلحاق الضرر بالممتلكات. ومهاجمة عقول الناس من خلال السحر والمخدرات وأنواع أخرى من الأعمال السيئة والتي تؤدي إلى الموت".
ان الصفات المذكورة أعلاه هي الصفات التي لا يحظى بها الانسان من محبة، ليس فقط من قبل خالقه، ولكن أيضا من قبل أشخاص آخرين.
على مدى آلاف السنين، ساعدت المشاعر السامية للإنسانية والرحمة والعدالة التي ينشرها الدين، العالم على إنقاذ نفسه.
في هذا الصدد، أود أن أحث السياسيين إلى لفت الانتباه إلى هذه القيم التي لا تتزعزع! كما يجب على رجال الدين والشخصيات السياسية البارزة من مختلف أنحاء العالم أن يطوروا دون كلل الحوار من أجل الصداقة والتعايش السلمي.
نحن، الذين نعيش في مجتمع متعدد الأديان، لا نتخلى عن مُثُلنا الدينية، حتى لو كانت مختلفة عن الآخرين في البعد اللاهوتي، ولكن في الأمور الإنسانية نتشارك القيم العالمية.
وفي هذا الصدد، فانه لمن دواعي السرور أن نذكر أنه في منتدانا سيكون هناك تبادل للخبرات، وتبادل أفضل الممارسات للتفاعل بين الأديان وتنفيذ مشاريع ومبادرات مشتركة ذات أهمية اجتماعية. اجتماعات منتظمة لممثلي المنظمات الدينية والجمهور العام لتعزيز الحوار والتفاهم المتبادل وتبادل الخبرات في التعاون ومناقشة المشاكل المشتركة وتطوير الخيارات المشتركة لحلها، نأمل أن تقربنا أكثر من رحمة الخالق.
أصدقائي الأعزاء! لقد توصل العالم الحديث إلى فهم أساسي مفاده أن أهم شرط للحفاظ على الحضارة الإنسانية وتطويرها هو استقرار العلاقات الإنسانية والتفاهم المتبادل والتعاون بين الجهات الفاعلة الدولية على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والعدالة واللاعنف، والقضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب.
تكتسب ممارسة الحوار حول القضايا بين الثقافات ومشاكل تنسيق العلاقات بين الأديان على المستويين الدولي والإقليمي أهمية خاصة وملاءمة في الظروف الحديثة.
نحن، مسلمو روسيا، مقتنعون اقتناعا راسخا بأنه من الضروري، في إطار الحوار والتعاون، تعزيز الإيمان من خلال أنشطتنا القانونية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، وتأكيد الإنسانية والعدالة والتعاطف مع الناس، وحماية كرامة الإنسان في كل مكان دون تمييز على أساس الدين أو الجنسية، وتعزيز السلام وتنسيق العلاقات بين الأديان، وتماسك المجتمع. ويدعو الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتقوى ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ".
إنني مقتنع بأن المناقشات العلمية لمواضيع منتدانا ستسهم في زيادة تعميق الحوار والتعاون في العالم، وفهمنا للمشاكل المشتركة للتطور الحضاري الحديث.
ختاما، أتمنى لجميع المشاركين في هذا المنتدى موفور الصحة والسعادة والنجاح.
وشكرا لاهتمامكم
رئيس الجمعية الدينية لمسلمي روسيا
https://dsmr.ru/ar/3453-2022-09-21-20-45-49.html#sigProId877d2b8a69